700 ألف دولار دفعها
“المستقبل” قصة حياة صباح عام 1997
حملت نشرة أخبارالـ MTV المفاجأة أمس الأوّل لكن من دون تفاصيل:”صباح وفيروز تقاضيان
مسلسل الشحرورة”،هي مفاجأة من مكان غير متوقع، فبعد الدعوى التي رفعتها
السيدة فيروز وخسرتها والتي طالبت فيها بوقف عرض مسلسل الشحرورة ،والمصحوبة أيضاً
برسالة من السيّدة صباح تطلب فيها وقف عرض العمل، وبعد خسارة السيدة فيروز الدّعوى
التي رفعتها ضد شركة الصباح المنتجة والتي ردّها قاضي الأمور المستعجلة في بيروت
نديم زوين ،استأنفت السيدة فيروز الدعوى ضد منتجي المسلسل لانه ـ بحسب صحيفة
الدّعوى ـ يمس حياتها الشخصية، ومن المتوقّع أن تنفجر خلال الأيام المقبلة قضيّة
تطرح مئات من علامات الإستفهام بعدما قرّرت السيّدة صباح الانضمام إلى الدّعوى من
دون أي أسباب واضحة، إلا إذا كان ما نشرته إبنة شقيقتها كلودا عقل على الموقع الرسمي لصباح على الـ«فيسبوك» بأنّ الحلقة الاولى أثارت دهشة الصبوحة لأنها:”هيدي
أول مرة بشوف بيي بيلبس شروال..دخلك هودي مين كلن بالقصة”؟ مع أنّ الذين
شاهدناهم لم يكونوا سوى والدتها ووالدها وشقيقاتها وجدّها وأقاربها، ومكان طبيعي
شديد الجمال، وتصوير فنّي يخلق انسجاماً بين المشاهد العربي والضيعة اللبنانيّة،
ولا نعرف ما الضير في أن يرتدي رجل شروال في حقبة الثلاثينات من القرن الماضي لأنه
لباس تلك الحقبة، أو البعد السينمائي الذي أضفى جمالية على مشهد
“المقبرة” وهل يستحقّ هذا الأمر مقاضاة العمل؟!
1997هذا ما روته لنا الأسطورة!!
عام 1997 قدّم لنا تلفزيون المستقبل بمباركة من الرئيس
الشهيد رفيق الحريري، برنامج الأسطورة ، أطلّت علينا الشحرورة صباح تروي لنا قصّة
حياتها بلسانها ويعتبر كلامها في هذه الحلقات وثيقة بالصوت والصورة ،روت كيف
“غسلت الثياب” لتجمع المال للذهاب إلى السينما لمشاهدة ليلى مراد أو
لشراء راديو، وهذا ما قدّمه لنا بمنتهى “الشياكة” السيناريست فداء
الشندويلي، الأمر الذي بهر جيلنا الذي عايش الصبوحة منذ الستينات وأحبها في الآنسة
ماما وشارع الحبّ ونار الشوق والأيدي الناعمة، فعلامَ الاعتراض لا نفهم،خصوصاً أن
هذا الاعتراض جاء متأخراً جداً،بعد انطلاق المسلسل وجذبه المشاهد العربي منذ
الحلقة الأولى بفعل الدراما الإنسانية المبكرة في طفولة الصبوحة!!
ثلاثة أرباع مليون دولار
وما لا يعرفه كثيرون أنّ صباح باعت حقوق إنتاج قصّة حياتها
لتلفزيون المستقبل وأنّها تقاضت حقوقها الماديّة كاملة في مبلغ قيل يومها أنه ناهز
700,000 دولار عداً ونقداً، وأصبحت سيرتها الذاتية حقاً لتلفزيون المستقبل الذي
باع هذا الحقّ للمنتج صادق الصُّباح وتقاضى منه كافة حقوقه، فآلت حقوق الملكيّة
للشركة المنتجة للعمل، وتشير مصادرنا الموثوقة أن المنتج صادق الصُّباح لم يُقصّر
مع الصبوحة وأنها تلقّت منه هديّة عبر ابنة شقيقتها كلودا عقل عند الشروع في العمل
وبعد اطلاعها على السيناريو ـ ونحتفظ برقم الهدية سرّاً إلى حين ـ إلا أنّها هدية تليق
بالسيدة صباح وربما نافست الهديّة التي تلقّتها من الشيخة موزة زوجة أمير قطر
عندما زارتها .
في تلك الفترة عام 1997 كانت صباح قد قدّمت مسرحيّة
الأسطورة في جزئها الأول، وبعد برنامج “الأسطورة” على شاشة المستقبل
قدّمت الجزء الثاني منها وهي من إنتاجها ، فهل “دبك” فادي لبنان على
المسرح وفرقته بالمبلغ الذي به تلفزيون المستقبل قصّة حياة صباح، هل علينا أن نطرح
هذا السؤال الآن ؟!
إنذارات بالجملة
وفي تصريح لصحيفة كويتية نشر في 9 أيار الماضي كشف صادق
الصباح منتج مسلسل “الشحرورة”، أنّ الشركة تلقّت العديد من الإنذارات
القانونية من فنانين يتناولهم المسلسل وأبرزهم المطربة اللبنانية فيروز والأخوان
رحباني وسعيد فريحة، مطالبين بحذف شخصياتهم من العمل، شارحاً :”أسرة العمل
تحايلت على هذا المأزق بمنح هؤلاء الفنانين أسماء مستعارة تكشف في نفس الوقت عن
هوياتهم، مؤكدا أنه رغم ذلك سيتم التطرق إلى جميع الشخصيات التي كانت على علاقةٍ
بالصبوحة في العمل… يعني أننا سنرى السيدة فيروز تحت اسم “روز”، وعاصي
الرحبانى تحت اسم “عاصم”، والأستاذ سعيد فريحة تحت اسم “سعيد”، وذلك حرصاً على
ذكر الشخصيات المهمة التي عاصرت الشحرورة.
وأشار صادق الصباح إلى أن المسلسل سيتطرق إلى الشخصيات
السياسية التي كانت لها علاقة بصباح بشكل درامي: الرئيس جمال عبد الناصر، الرئيس
أنور السادات، النائب جو حمود، أحد أزواج الصبوحة ووالد ولديها، الرئيس كميل شمعون
والنائب غسان تويني.
صباح رفضت الزواج بعاصي… وفيروز
منشدة في كورالها
حقيقة تفاجأ اللبنانيون بالدعوى التي رفعتها السيّدة فيروز
ضدّ العمل، بل تساءلوا عن سبب غضبها ، فهم تعوّدوا أنّ السيّدة كجبلٍ “لا
يهزها ريح”، الأمر الذي أثار فضول كثيرين ، إلا أنّ كشف بعض المواقع للمشهديْن
اليتيمين لفيروز الذين تسببا بهذه الدّعوى زاد استغرابهم، وكان موقع مصراوي قد نقل
أنباء غير مؤكدة قبل أيام كشف فيها أنّ سبب غضب السيّدة فيروز يتمثل في
مشهدين،الأول حين يطلب “عاصي” الزواج من صباح، وتقوم برفضه،وهو ما يعتبر
إهانة في حقه ، أما المشهد الثاني فهو الذي تظهر فيه فيروز كواحدة من “الكورس”
الذي يغني خلف صباح ، وتتنبأ لها الأخيرة بأنها ستصبح نجمة كبيرة في المستقبل .
لا نفهم ما الذي ينقص من قدر عاصي الرحباني إن كان قد
تقدّم لخطبة صباح ورفضته، فالصبوحة كانت نجمة مسرح الرحابنة الغنائي قبل السيّدة
فيروز ولا يستطيع أحد أن يُنكر موسم العزّ ودواليب الهوا ورائعة “كتير كتير
يا قلبي كتير بدّك تنطر موسم الحرير” أو رائعة “لوين يا بياع” أو
“سفّرني معك” ، فصباح كانت نجمة كبيرة وقتها بل نجمة لبنان الكبرى في
مهرجاناته التي نهضت وتأسست على كتفيها، فهل يليق أن يتساءل البعض ما إذا كان تصرّف
السيدة فيروز نابع من “غيرة نسويّة”؟!
ولا نفهم ما المعيب وماذا يُنقص من قدر عملاقة كالسيّدة
فيروز إن وقفت منشدة في كورال السيّدة صباح وقتها ، وأي نقيصة في أن تتوقع لها
صباح مستقبلاً كبيراً، ألم يقف الشيخ أبو العلا محمّد ـ وهو من هو في زمنه ـ
كورساً في بطانة “صيّتة” صغيرة تشقّ طريقها اسمها أم كلثوم؟ ـ وبدون هذه
ـ مع السيّدة فيروز نفسها ، ألم يقف الموسيقار محمّد عبد الوهاب نفسه كورساً وراء
السيّدة فيروز في أغنية سهار بعد سهار؟! هل كان هذا يُنقص من قدر عبد الوهاب، ألم
تقف هدى وجورجيت صايغ وملحم بركات وسواهم كورساً وراء السيّدة فيروز؟ بل السيّدة
فيروز نفسها ألم تبدأ حياتها منشدة في كورس الإذاعة اللبنانيّة؟ أليس الفنّ كلّ
متكامل، ألم يخرج كبار الفنانين من عباءة الكورس؟
وربما علينا أن نتساءل: هل ستقاضي فاتن حمامة وشادية ووديع
الصافي وورثة عبد الحليم حافظ وورثة فريد الأطرش وورثة محمد عبد الوهاب وورثة جمال
عبد الناصر وورثة كميل شمعون وكل الأسماء التاريخيّة الحاضرة مسلسل الشحرورة من
أجل مشهد أو مشهدين، لا أحد له الحقّ أن يفرض علينا قدسية صورته، وعلى الكبار أن
يعتبروا من مسلسل الحسن والحسين فكلّ مرجعيات السُنّة بما فيها الأزهر ومرجعيات
الشيعة بما فيها السيستاني لم تستطع أن تمنع مسلسلاً، في زمن الفضاء والأنترنت لا
أحد يستطيع أن يمنع ويقمع ، وقبل هذا وذاك حقوق الملكيّة الفكريّة تتساوى فيها
الأغنية والقصيدة والسيرة الذاتيّة أيضاً، ما دام صاحبها
تنازل عن حقوقها بملء إرادته وتقاضى حقّه كاملاً عنها!!
رسالة إلى الصبوحة
هذه كلمات صادقة للسيدة صباح، أوّل ما أدركت صورتك وصوتك
وأوّل أغنيتن أحببتهما لك ، كانتا “بيقولولي توبي” و “يانا يانا
“، لم أكن قد تجاوزت الرابعة من عمري جلست أمام شاشة سينما كبيرة أحدّق فيها
وخرجت ومعي أغنية، جيلي كان يصحو كلّ صباح على صوت الصبوحة يأتيه من جهاز الراديو
وأنت ترندحين “كتير كتير يا قلبي كتير بدّك تنطر موسم الحرير”، وفي عيد
استقلال السبعينات أحببنا لبنان وجيشه وأنت تغنين “ما بدنا إلا لبنان ينكتب
عتذاكرنا”، وعرفنا الأرز وأنت تعلميننا “الدنيي زغيرة وأنت كبير يا أرز
الربّ العالي”، وخطفت الحرب طفولتنا وهجّرتنا من بيوتنا فعرفنا معنى الخوف
والموت والحرب مبكراً جداً لم نكن قد تجاوزنا العاشرة بعد، عاد صوتك يزيد تمسكنا
بتراب لبنان وأنت توقظيننا على رفض الهدم ومنشداً للوحدة الوطنية “يا
معمرجي..فوق العتبة كتبلي المالك..محمود ومعروف وجرجي”، وسكبنا دمعاً كثيراً
وشمخت رؤوسنا وأنت تزرعين فينا حبّ لبنان:”رح أغسل أرضك بدموعي.. والضيع كلّا
نعمرها.. رح نزرعها سلام وحب ونكسر إيد اللي دمرها”… ما زالت الأيدي تعبث
بلبنان وما زلنا مصرّين على كسرها…
في عيد الأضحى عام 1977 استمعت إلى رنين ضحكتك وأنت ضيفة
على إذاعة لبنان تتحدثين عن حماتك وأكلة ملوخيّة وزوجك وسيم طبارة”،سمّرتنا
أمام الشاشة وأنت تغنين “ليش لهلّق سهرانين” ، واضطربنا
لأغنيتك:”رزق الله السامع بيحن عصوت رصاصة بترن شي مشط أربتعش السمينوف
والسنّ برنّ”، في الثمانينات كانت أختي الطفلة تتراقص على أغنية لبنان
وحلوته،ولم أفهم يوماً عجقة الألوان في الأغنية:”لبستلو الفستان الأحمر
والشال الأبيض والأصفر وحملت الجزدان الأخضر وحطّيت العطر الفتّان”، جيلي
وجيل إخوتي أدركوك في سعيدة ودق الكف وصادفني كحيل العين وتعلى وتتعمر وشو إسمك
وقالو عني مجنونة وساعات ساعات، أحبّوا
أفلامك وأغنياتك ومسرحياتك، ولكن؟!
ثمة أجيال يا صبوحة ـ صدقاً ـ لم تعرفك إلا بفادي لبنان ،
ويوم بدأ صوتك يفقد شيئاً فشيئاً رنين الذهب فيه، ثمة جيل عرفك بعمر محيو ورآكِ
على الشاشة بفستان زفاف مع شاب في عمر أحفادك ولم يصدّق أنك هذه أنت، الشحرورة
التي نحبّ ، وسخروا منّا لأنّا نحبك، من أجل هذه الأجيال ، مسلسل الشحرورة وثيقتنا
الأخيرة التي نرميها في وجه أجيالٍ لا تعرف قدرك، ولا تعرف صوتك،ولا تفهم تعدّد
زيجاتك، أجيال فقد الفنّ والفنانون فيها عندهم كلّ احترام، جيل الأذواق والأصوات
الرديئة والمفلترة بماكينات الغناء، أجيال لم تعرف صرخة الأوف في صوتك ولم تسمع
الروزانا، إلا أنها ما زالت تدبك على جيب المجوز،فيما جيلنا ما زال يترقب أفلامك
على محطات تحمل عنوان “زمان”،هل تريدين أن يكون كلّ إرثك حبيس تلك
اللحظة ـ الزلّة،في اعتراف تلفزيوني مروّع: “خنت كل أزواجي باستثناء رشدي
أباظة ” ثم اعترافك التلفزيوني والصحافي ـ السقطة:”أغرمت بمولاي علي وخنت
مولاي رشدي”!!
ثمة أجيال تريدك
للمستقبل لا لزمان، لا أعرف إن نقلوا لك أن كثيرين منّا يشاهدون حلقة مسلسل
الشحرورة في كلّ إعاداتها وعلى أكثر من شاشة، فجأة اكتشفنا أننا نحبّك كثيراً
وأنّك أعطيتنا وأعطيت لبنان والعرب كثيراُ كثيراُ… وربما أكثر مما نستحقّ !!