من منا لم يصرف كل مخزون بطارية هاتفه من الكهرباء وهو يتسلى في اللعب أو الإنترنت وهو ينتظر دوره في صفوف دوائر الدولة التي لا تنتهي. من منا لم يستهلك كل شتيمة تعلمها في هذا المجتمع الراقي إلا وإستخدمها في مبنى الضمان الإجتماعي، في دائرة العقاريّة، أو في كولوسيوم الوزارة المعيّنة . حتى بتنا نستخدم شتائم باللغة السنسكريتيّة و العصفوريّة.
من منا لم يصاب بتكلّس في الرُكب أو ديسك في الظهر بإنتظار الخط الذي لا ينتهب على أبواب السفارات، لشحذ فيزا تنفعنا في هذه الحياة المُذلّة؟
من منا لم يعاني أرق النوم في الليالي و هو يتحضّر لنهار معاملة رسمية طويل، يبدأ بعلبة السونا داخل السيارة عند ساعات زحمة السير و لا ينتهي “ببخعة” نقصان توقيع أو مستند.
هذا “جوّنا” في لبنان ، مشجعي حبوب الأعصاب، مستهلكي المهدءات و محبي الكافيين علّنا ننسى و نغييب عن “اللا وعي”.
نحن والدوائر الحكوميّة قصة دراميّة، مرعبة، أكشن، وحتى كوميدية، فشرّ البليّة ما يضحك. موظفوا الدولة إما “غائبين- حاضرين” ضمن الدوام، إما يستمتعون بملذات صحن الفول و الحمّص، إما بتدرييس الأولاد للدوفوار. تعوّدنا على “البوز المبروم” لموظفي الدولة يستقبلونا بالتكشيرة ويودعوننا بتربيح الجميلة.
و لمن لا يعرف ، هناك دوائر غير رسميّة، سيكشفها برنامج “عاطل عن الحريّة” الذي يعدّه ويقدّمه سمير يوسف، في حلقاته الأخيرة لهذا الموسم ، الخميس 20 تشرين الثاني على ال MTV.
لأوّل مرة في تاريخ الإعلام اللبناني، سوف يتحدث مزوّر جوازات سفر، صكوك ملكية، تأشيرات دخول و غيرها الكثير من المعاملات الرسميّة.
والسجين الشهير ليس في السجن الشهير. فهو ليس من روّاد رومية، إنما سجن القبّة في طرابلس. الذي لطالما كان مغموراً مغبوناً، لا من يتحدث عنه ولا “فتح إسلام” يشهروه.
إستطاع يوسف أن يدخل إلى هذا السجن القديم – الجديد و يخرق الغبن اللاحق فيه ليكشف ماذا يخفي بين أروقته و خلف قضبانه.
المزوّر هو إدارة غير رسميّة، تمنحك كل معاملة ، أو إذن تطلبه من دون أن تمرّ بجلجلة المعاناة المعهودة مع دولتنا ، كيف يتمّ التزوير و ما هي تكلفته، أسئلة تطرح للمرة الأولى و يتم الإجابة عنها بتفاصيلٍ مع أخصائيين.
رسمية أم غير رسمية، تبقى المعاملات في لبنان أشبه بدائرةٍ مُفرغة، تبدأ بشحادة وتنتهي بشحادة.
بلد ٍعائش على أنابيب الشحادة، يُخرّج مواطنين يشحذون حقوقهم، ولا يحصلون عليها.
يُذكر بأن البرنامج بدأ عرضه على شاشة ال MTV منذ شهر آب الماضي، وقد تمّ عرض 13 حلقة مختلفة، تم الحوار فيها من داخل سجون لبنان مع كافة أنواع الخارجين عن “القانون”، من مروّجي مخدرات، مجرمين، مغتصبين، نساء، مزوّري عملات، و سارقين.
“عاطل عن الحريّة”، لم يكن عاطلاً أبداً، بل قدمّ للإعلام ريادة في عرض الوثائقي مع نكهة إعادة تمثيل لكل ما يروى. البرنامج من إخراج عبدو أنيس النجّار ، وقد برهن عن مقدرة جديّة في تقديم المشاهد بطريقةٍ مبتكرة وعفويّة.
كما أشرف ونفّذ عملية المونتاج روي الصدّي. والمونتاج هو إمتداد لإبداع الإخراج، فلاحظ المشاهدون براعة في تركيب المشاهد وتسلسلها ، و إحترافٌ كبير في مزج الألوان والموسيقى. أما المنتجّ المنفّذ لهذا العمل فهو بيدرو غانم، الذي أدار العمل بكل مستلزماته، وقام بكتابة النصوص.
“عاطل عن الحريّة” هو أول عمل لسمير يوسف و لن يكون الأخير. فالبداية كانت مسك.